في الوقت الذي كانوا يبحثون فيه عن فكرة من أجل أن تكتب أقلامهم , كانت تضج الأفكار في رأسي ولا يكتب قلمي ! ذاك الذي لم يخذلني _ربما_ أبداً كلما احتجته , بالرغم من أنه يكره تكرار الحرف واجترار الكَلِم !
قالوا لي بأن كل الأفكار ملقاه على قارعة الطريق ولا تحتاج إلا لشخصٍ يُحسن تناولها ومن ثم تبنيها ! ربما لم يأتوا بجديد , وربما لن آتي بجديد أيضاً عندما أقول بأن الأفكار تُصنع كما يُصنع القرار , وأننا في كلا الحالتين نحتاج إلى الجُرأة والإتقان .
لقد أخذتُ بقولهم وسلكتُ طُرُقاً كثيرة , فوجدتُ أفكاراً كثيرة ملقاةً على قارعتها , حاولت مُقارعة المارّة , وانتقاء "البعض" منها , ثم شرعتُ في تبني المناسب من ذلك "البعض" , والمناسب هنا تعني أشياء كثيرة , فقانون ( الحقوق محفوظة ) يحذرني دائماً من تبني فكرة مكررة , في عصر انعدم فيه الأمن وانتشرت فيه السرقة لا سيما سرقة الأفكار ! .
ولأنني حاولت فقد نجحت , ونجحت نسبياًّ , والمحاولة شرفٌ في حد ذاتها ... وبعد جمع تلك الأفكار الملقاة على الطرق المتشعبة والملتوية والمخيفة , واللتي أظن أن أحداً قد وجدها إلا أنه لم يتبناها لأسباب أجهلها , وبعد السهر الطويل تمكنتُ من إنهاء تأليف كتابي والذي يحوي سبعاً وثمانين صفحة , جئت فيها بالجديد المفيد , أو هكذا يبدو لي !
إلا إنني إلى الآن أفشل في نشره , فعنوان الكتاب الذي أصر على عدم تغييره كان ( قبل أن يُشنق آخر ملك بأمعاء قسيس ) كان سبباً في إحجام الكثير عنه , ممن أعتبرهم في القمة بل وأثق بهم وأعتز بنقدهم , عرضتُ عليهم بعض صفحاته وطلبتُ منهم نقده فكرياًّ ولُغَوياً , لم يرحبوا بالنشر بالرغم من إعجابهم بالأفكار الموجودة , الأمر الذي زاد إحباطي وبغضي لمسألة التأليف .
وأنا هنا لستُ أسخر من الذين لم يساعدوني في نشر الكتاب , لأن الواقع يتبنى توجههم وآراءهم الثاقبة , فقد قال لي صديق عاقل ناصح بأنه يتوجب عليّ التخلي عن الكتاب فضلاً عن نشره , وقبل أن يُشنق آخر حرف بأمعاء كاتب , إبحث أيها الصديق عن مجال آخر _فالحقوق محفوظة_ !
في الحقيقة لستُ مستعداً للسماح لأحد بشنق آخر حروفي بأمعائي , ولذلك فقد قررت التخلي عن الكتاب , بل وسأحرقه من أجل عيون الرقابة .
لكن الكتابة إدمان لذيذ لا أفضل الإقلاع عنه , مؤقتاً على الأقل ! ولا ضير في بعض التعديل في الإستراتيجية تمشياًّ مع الواقع الأمني .
سأسلك طريقاً آخر يضمن لحروفي المهددة بالشنق السلامة والطمأنينة , إلا إنني لستُ على استعداد مرةً أخرى على أن أتبنى أفكاراً لا تعنيني , حتى وإن تجاهلها المارون في الطرقات !
لن أكتب هذه المرة سوى عن ذاتي , تلك اللتي بات يستهويني الحديث عن سخافتها أكثر من أي سخافة آخرى . خصوصاً وأنني لست بحاجة إلى أن أعرضها على أحد لنقدها !
__________________
لا أدري لماذا أشعُر دائماً
أن أصحاب القلوب البيضاء يموتون مبكراً !
وكأنهم استعجلوا ذلك !
إن الحياة أقسى من الموت نفسه !